12 نوفمبر 2011

واحد صفر

"لقد خسرت انجلترا قائدًا واحدًا قبل أن يضحي حياته في سبيل إضعاف الجيش المصري أو الانتقام منه،أما مصر فقد خسرت مقابل هذا القائد الواحد حاكمًا،وستة قواد،وعشرة آلاف جندي بضباطهم!"(سهير القلماوي:حكايات جدتي،صـ54).

تتحدث الدكتورة سهير القلماوي في كتاباها القصصي حكايات جدتي عن عصر ما قبل الاحتلال الإنجليزي،عن الكيانات البسيطة وكيف استقبلت هذا البؤس والمرار بنفوس تتوق إلي الخلاص،وتري في الهزيمة بداية النصر،وتلك السحابة المظلمة القاتمة كما قال الدكتور طه حسين في مقدمة الكتاب كانت لا تزيد مصر إلا قوة وثقة في النصر.

قبل أن يمتعض القاريء وينهرني علي العودة إلي ذكريات سيئة ونحن بصدد ثورة في بلدنا وتغيير في أشياء كثيرة،أسارع كي أبرر له موقفي الذي جعلني آتي بهذه القطعة من الكتاب.






لا أدري لماذا حينما قرأتها تذكرت صفقة تبادل الأسري الأخيرة،والتي سميت علي اسم الإسرائيلي"جلعاد شاليط"-حمته السماء وحافظت عليه-لا أهزأ هنا وأنا أدعي له بالحماية،إنما أكرر فقط،ما سبق وقد فعلته حكوماتنا له.

قبل أن يفرغ صبر القاريء أجيبه عن"واحد صفر"عنوان المقال،فعندما قرأت الفقرة سالفة الذكر عن انتقام القائد الإنجليزي(واحد)بخديعة الجيش المصري(صفر)وتقويض قواه في معركة"هكس"،قلت علي الفور،يعني(واحد صفر)زي صفقة جلعاد شاليط،واحد مقابل مئات وآلاف لكنهم في الحقيقة أمام هذا الواحد،ليسوا إلا صفرًا،يضعه التاريخ في مكان مهمل،ولم أقل أنا هذا الكلام،لقد قاله التاريخ،أنا فقط أقول:إن التاريخ قال هذا،ليس لأن التاريخ أخرس وأنا أتحدث بالنيابة عنه،لكن التاريخ تلميح لا يفهمه إلا من وعي،وإشارة لا يراها إلا من كان لديه نظر يري به الحقائق،سعدنا بصفقة جلعاد شاليط،لكن التاريخ كان خافض الجبين،منكس الرأس،كان حزينًا حزنًا يشبه تمامًا حزنه علي جند مصر اللذين غرر بهم تحت قياد ضابط إنجليزي ضحي بحياته كي يقضي علي آلاف مؤلفة.

لم يذكر التاريخ اسمًا واحدًا من اللذين ماتوا في معركة هكس من الجنود المصريين البواسل،ولم يذكر أيضًا اسمًا واحد من أسماء الأسري الفلسطينيين الشرفاء،تسمت المعركة علي اسم المنتصر فيها حتي لو كان مات،مع العلم بأن القانون لا يحمي المغفلين،وتسمت الصفقة علي اسم الفرد الواحد فيها حتي لو كان اسرائيلي يحتل بلده قطعة غالية من أرضنا،مع العلم أيضًا بأن القانون لا يحمي أوطاننًا أصحابها غير قادرين علي حماية أنفسهم.

"معركة هكس،صفقة جلعاد شاليط"اسمان لأحدث مرت بنا في منطقتنا العربية لكنها بأسماء أجنبية،لم يتغير الزمن كثيرًا،فالنتيجة هي هي،تخسر أيها الوطن العربي،واحد صفر.

ومن لا يتعظ من التاريخ،فلا واعظ له





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق